تواصل ”الاقتصادية” توعيتها لترشيد الكهرباء في المساجد، وتتناول في الحلقة الثانية آراء عدد من المختصين وأصحاب التجربة نحو ترشيد أفضل للكهرباء في المساجد، ولعل من أحدث التجارب تلك التي قام بها هاني سندي من طلبة الامتياز في جامعة الملك عبد العزيز في كلية الحاسبات وتقنية المعلومات في مدينة جدة، حيث قام بعمل ابتكار أطلق عليه ”المسجد الذكي” كمشروع تخرج، وهو ابتكار يسخر عدة تقنيات حديثة لخدمة بيوت الله وراحة المصلين، وتم تطبيقه على أحد مساجد مدينة جدة، وهو يعمل حالياً في مسجد الجزيرة في جدة، والابتكار يحتوي على جميع معادلات حساب مواقيت الصلوات الخمس اليومية. ويقوم النظام أيضا بتشغيل جهات معينة مسجلة سابقاً حسب كل صلاة، فمثلاً: صلاة العصر: يقوم بتشغيل الإضاءة الأمامية الداخلية فقط للمسجد مع تشغيل 75 في المائة من مراوح المسجد، وبعد 60 دقيقة من وقت أذان الصلاة يقوم النظام بإغلاق أجهزة الإضاءة والمراوح تدريجياً. صلاة العشاء: يقوم النظام بتشغيل جميع أجهزة الإضاءة داخل المسجد وخارجه مع تشغيل 25 في المائة من مراوح المسجد وبعد 60 دقيقة من وقت أذان الصلاة يقوم النظام بإغلاق أجهزة الإضاءة والمراوح تدريجياً ، ويتم كذلك التحكم في التكييف حسب معادلات خاصة تمت برمجتها اعتماداً على عدة متغيرات في المسجد، منها: حجم الهواء في المسجد ودرجة الحرارة داخل المسجد، درجة الحرارة خارج المسجد وعدد أجهزة التكييف وقوة كل جهاز تكييف. كما يقوم النظام بقياس درجة الحرارة الداخلية والخارجية عن طريق حساسات متصلة بالابتكار وإدخالها مع المعادلات الخاصة من أجل معرفة الوقت اللازم للوصول، مثال: درجة الحرارة المطلوبة عند صلاة الظهر 19 درجة مئوية. ولتكن على سبيل المثال: 25 دقيقة فيقوم النظام بشكل آلي بتشغيل أجهزة التكييف على القوة المطلوبة قبل موعد أذان صلاة الظهر لليوم الحالي بــ 25 دقيقة وتكون درجة الحرارة وقت الصلاة 19 درجة، وبعد 50 دقيقة من الأذان يقوم النظام بإقفال أجهزة التكييف. دراسة بحثية #2# تحدث البروفيسور ناصر بن عبد الرحمن الحمدي المشرف العام على الإدارة العامة للمشاريع والصيانة ــ جامعة الجوف، أستاذ في قسم العمارة وعلوم البناء، كلية العمارة والتخطيط ، جامعة الملك سعود سابقا لـ ”الاقتصادية” عن ترشيد الكهرباء في المساجد قائلا : إنني أعددت دراسة بحثية عن هذا الموضوع منذ سنوات تحت عنوان (استراتيجيات ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية في مباني المساجد، دراسة تحليلية لمساجد مدينة الرياض ومسجد الرحمانية بمدينة سكاكا). وقال: لقد تناولت في البحث أساس تصميم الجوامع في معظم الدول الإسلامية الذي يرجع إلى النموذج النبوي، وذلك بوجود فناء courtyard مكشوف إلى السماء وتحيط به أربعة أروقة مغطاة وأكبرها رواق القبلة. كانت الجوامع التقليدية والمبنية بالطين والحجارة وفروع جريد النخيل والأثل في أغلب مدن المملكة العربية السعودية، معتمدة على تصاميم بسيطة واستخدام مواد بناء متوافرة في البيئة الطبيعية. وكانت مستجيبة ومتلائمة مع ظروف المناخ ومتطلبات المصلين من حيث حجم المسجد ومرافقه فقد عرف هؤلاء الناس كيف يتكيفون ويصممون ويبنون مساجدهم ومساكنهم في بيئات طبيعية صعبة فقد ابتكروا لمبانيهم منذ آلاف السنين عناصر معمارية من أجل القيام بوظائف متعددة منها النواحي المناخية والجمالية والحسية والاجتماعية، بل إنهم استخدموا طرقاً وأساليب تبريد وتدفئة وطرقا إنشائية سهلة باستخدام مواد بناء متوافرة في البيئة الطبيعية المحلية. وأوصت دراسة توثيقية عن عمارة المساجد التقليدية في قرية آل خلف في منطقة جنوب غرب المملكة العربية السعودية، بأن البساطة في تصميم المساجد يجب ألا يتخلى عنها بحجة السرعة لإقامة مساجد جديدة وتوظيف عمارة حديثة مستوردة. العناصر المعمارية التقليدية أضاف البروفيسور ناصر أن من أبرز العناصر المعمارية التقليدية الفريدة في مباني المساجد وجود صحن المسجد الذي ثبتت فاعليته في دراسة قام بها باحثان يؤكدان أن إعادة فناء المسجد ستخفض نحو ثلث الطاقة المستخدمة في تكييف مساجد في مدينتي الدمام والأحساء. تبين من هذه الدراسة أنه من الممكن استخدام فراغ الفناء لأداء الصلاة في فصل الصيف بالنسبة لمدينة الدمام بنسبة ما بين 36 في المائة و61 في المائة، وبالنسبة لمدينة الأحساء تصل النسبة ما بين 31 في المائة و72 في المائة من نسبة الأوقات المناسبة لراحة الإنسان بالاعتماد على نطاق الراحة الحرارية الذي حدده فيكتور أولجي. كما تبين أن توظيف الفناء لأداء صلوات المغرب والعشاء والفجر اقتصادي في الدمام والأحساء ويمكن أن يضاف إلى الدمام أداء صلاة العصر في الفناء. #3# سرعة الرياح خارج المسجد وتابع البروفيسور ناصر: إن إحدى السمات المعمارية الفريدة في عمارة المساجد الإسلامية التقليدية وجود ملقف الريح malqaf أو ما يسمى برج الهواء wind catcher or wind-scoop. يقوم هذا الملقف بتهوية وتبريد فراغ المسجد باستخدام المئذنة لصيد الهواء العابر فوق مبنى المسجد وإدخاله في فراغه فقد كان برج مسجد كرمان في إيران سببا في إحداث تيار هواء أثناء النهار من الخارج إلى المحراب داخل المسجد، رغم قلة سرعة الرياح خارج المسجد. كما كانت درجة حرارة الهواء الخارج من البرج تقل بثلاث درجات مئوية عن درجة حرارة الهواء الخارجي مما كان له أثر إيجابي في تلطيف فراغ المسجد. كما استغلت الإنارة الطبيعية لإضاءة قاعة الصلاة دون التأثير المباشر في رفع درجة حرارة الهواء أو حدوث ظاهرة الوهج glare. كما استخدم الفناء المفتوح للسماء بهدف استخدامه للصلاة عندما يكون الطقس لطيفا، وغالبا توضع نافورة أو ميضأة كما في مسجد أحمد بن طولون ومسجد السلطان حسن في القاهرة، أو يتم غرس أشجار وسط الفناء المفتوح كما في مسجد قرطبة في عصر الأمويين في الأندلس. ومن أبرز العناصر المعمارية التقليدية في المساجد القباب التي تساعد على إخراج الهواء الساخن من الداخل إلى الخارج وزيادة تردد صوت الإمام والمؤذن، كما أن القباب تقلل تعرض سطح المسجد لأشعة الشمس أثناء حركتها عند شروقها وغروبها. إن أغلبية التصاميم المعمارية لمباني الجوامع والمساجد في الوقت الحاضر لم يراع فيها الفن المعماري الموروث وتوظيف الأفكار النابعة من تفاعل التصميم مع البيئة المحلية. عمارة المساجد في مدينة الرياض أشار الدكتور الحمدي إلى أن الدراسات التخصصية في مجال عمارة المساجد في المملكة العربية السعودية قليلة. كما يعد تطور مباني المساجد تابعاً لتطور مباني المساكن من حيث استخدام مواد البناء وأسلوب الإنشاء ودخول خدمة الماء والكهرباء والصرف الصحي. وأضاف أن معظم مباني مساجد مدينة الرياض تعاني مشكلات أسهمت بشكل كبير في ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية مثل إقامة المساجد دون استخدام عوازل حرارية والمبالغة في حجم المسجد والتباهي في استخدام المصابيح الكهربائية التي تزيد على الحاجة واتساع مساحة قاعة الصلاة مع قلة عدد المصلين واستخدام أجهزة تكييف تفوق الحد المطلوب وافتقاد طريقة التشغيل المثلى لأجهزة التكييف والإضاءة الاصطناعية وتسخين المياه. أدى هذا الارتفاع في استهلاك الطاقة إلى مضاعفة تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية، سواء على المنتج وهو شركات الكهرباء ”سكيكو”، أو إدارة شؤون المساجد في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، فعلى سبيل المثال تضاعف إنتاج المملكة من الطاقة الكهربائية أكثر من خمسين مرة خلال السنوات ما بين 1970م و 1995م، بينما كان استهلاك الكهرباء وفي المدة نفسها أكثر من عشرة أضعاف. لذلك يتحتم على المهندسين والمعماريين وكل المسؤولين في إدارة شؤون المساجد، أن يلجأوا إلى طرق المحافظة على الطاقة في مباني الجوامع الكبيرة بشكل خاص ومساجد الأوقات بشكل عام بهدف تخفيض استهلاك الكهرباء، وبالتالي سيتم تقليل الإنفاق المالي على الاقتصاد الوطني. تقسيم مُصلاّه بالزُجاج يرى المهندس صالح السلطان أن تجربة وزارة المياه والكهرباء لحثّ الناس على اتخاذ أحد مساجد الرياض مثلا يقتدى به في توفير الكهرباء، حقق فوائد جمة فذلك الجهد وفّر 70 في المائة من كهرباء تكييف المسجد، إثر تقسيم مُصلاّه بالزُجاج إلى جزء كبير يُستخدم لصلاة الجمعة فقط، وآخر صغير لباقي الصلوات! ، هو بداية لعمل نتمنى أن يصل للمساجد الأخرى وربما ذلك المسجد يقع في حيّ يسكنه أثرياء، ممّا يعني أنه يُعتنى به جيدًا، من وزارة الشؤون الإسلامية أو مّما يجود به هؤلاء الأثرياء، لذا فإن الاهتمام ببقية المساجد أمر مطلوب ينبغي أن يكون هذا الاهتمام والعناية بها حكوميًا وأهليًا بالشكل المطلوب، وينبغي للوزارة التنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية لإنشاء الزجاج في بعض المساجد مساهمةً منها في توفير الكهرباء وليس فقط لتركيب الزجاج كي يُوفِّر كهرباء التكييف، بل لتجديد تكييفها بدلا من القديم الذي يستهلك كهرباء أكثر، أو لإدخال التكييف لها، خاصة أن بعضها لا يوجد فيه تكييف. وعموما الوزارة مشكورة على جهودها وعلى المواطنين المرتادين للمساجد الاهتمام بترشيد الكهرباء فيها مع القائمين على المساجد. استهلاك الكهرباء يرى الشيخ خالد المطيري المشرف على موقع زواج أن الإسراف مع الأسف مستمر في بعض المساجد والجوامع، فهناك مثلاً آلاف المساجد والجوامع على امتداد الوطن تعمل فيها ملايين المكيفات بشكل مستمر دون توقف، ولا يوجد على القائمين على هذه المساجد رقيب ولا حسيب، وأعني هنا على الأئمة والمؤذنين، فالمكيفات والأسبيلتات والمراوح تشتغل على مرأى ومسمع من الأئمة والمؤذنين، وأعتقد أن هذا إهمال منهم وعدم تحمل لهذه المسؤولية الملقاة على عواتقهم لأنهم مؤتمنون على هذه المساجد. كما أنني أحب أن أوضح جانبا مهما وأن التكييف أحيانا يكون في أعلى برودته في بعض المساجد ويوجد كبار السن يأتون إلى المسجد ويتأذون من هذا التكييف فأجسامهم لا تتحمل. وأتمنى مراقبة هذه المساجد ومتابعتها، خاصة أن هذا فيه إسراف كبير في استهلاك الكهرباء، وله أضرار وخسائر كبيرة على الدولة، ويتأذى منه كما ذكرت مسبقا المصلون وكبار السن الذين يرتادون المساجد في خمسة فروض يومياً، ويجدون أمامهم أحيانا بعض المساجد (كالثلاجة) باردة جدا ومغلقة، فيها درجة الحرارة ــ لا أبالغ ــ إن قلت تصل لـ 15 درجة بسبب هذا الإسراف من الأئمة والمؤذنين، فينبغي لهم تقدير هذه المسؤولية أو الاعتذار إذا لم يستطيعوا القيام بها، خاصة أن هؤلاء الكبار في السن الذين أتوا للمساجد من أجل أداء العبادة في بيوته العامرة بالإيمان والنور يجدون أمامهم ما ينغص عليهم فريضة الصلاة؛ فهم يتأذون من شدة البرودة التي أصابتهم بالصداع والروماتيزم والكحة المزمنة، وبعضهم لا يذهب للمسجد أو الجامع ويصلي في بيته لأنه لا يستطيع تحمُّل هذه البرودة العالية والإسراف الكبير في الطاقة الكهربائية التي أنعم الله بها علينا، فأتمنى من الأئمة والمؤذنين التنبه لهذا الأمر، لأن ذلك من شأنه أن يسهم في ترشيد أفضل للمساجد.
رابط التقرير على موقع الصحيفة: http://www.aleqt.com/2011/04/29/article_532613.html